مايسطرون
2020-04-18

كيف نربي الكبار – 1


بسم الله الرحمن الرحيم – … «163» لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ «164» … – صدق الله العظيم – آل عمران.

تربية الكبار من أصعب المهام. لذلك اختص الله الأصفياء لتعليم الكبار. معظم مشاريع الأنبياء والمصلحين لم تنجح، والسبب في ذلك أن “القطو العود ما يتربى”، وَكُرْه الناس لتغيير طباعهم التي وجدوا عليها أباءهم. التربية المناسبة للطفل أفضل سبيل لأن يكبر شخصا نافعا. في ذلك، حرص الرسول (ص) ليس فقط على تربية أسباطه الذين أثرت فيهم شخصيته العظيمة، ولكنه حث الأصحاب على حسن التربية والاهتمام بأولادهم.

تربية الطفل ليست سهلة كما يتصور البعض، خصوصا إذا عرفنا أن كلا منهم بحاجة إلى تربية خاصة تكون مختلفة حتى عن باقي الإخوان. تربية الأولاد بنمط واحد فقط أمر بعيد عما ينصح به الإخصائيون النفسيون. ومعظم المشاكل التي يصطدم بها الصغير هو أن الكبير المسؤول عن تربيته بحاجة إلى تربية وبناء وتأسيس من جديد. كما أن الكثير منهم يرفض رأي المختص. قبل أن يولد ابني البكر (مصطفى)، اشتريت موسوعة لتربية الأطفال من 12 كتاب وأريتها أحد زملاء العمل فاستنكر الأمر واتهمني بأنني أستمع لآراء مخالفة لأعرافنا …الخ.

إنجاب الأطفال من أعظم الأحداث التي تمر على المرء ومن أهم الشؤون ومن أكبر المسؤوليات. أنت كوالد مسؤول عن أولادك منذ ولادتهم إلى حين استغنائهم عنك، وستظل مسؤولا عنهم ما حييت. وعلى من لا يحمل الاستعداد النفسي والمادي مراجعة نفسه مليّا قبل التفكير في زيادة عدد الضحايا على وجه الأرض. لا تجنِ على نفسك ولا على أحد غيرك. الإنسان مخلوق في كبد، وسيظل يكابد العناء منذ بكائه الأول إلى حين يبكيه الآخرون.

أكثر الناس يحملون شغفا لمساعدة أولادهم وجعلهم الأفضل. جميل أن نحمل هذا الشغف، ولكن كل ما يزيد عن حدِّه ينقلب إلى ضده. التدخل المستمر في حياة الطفل يهدد قدرته على مواجهة الحياة حينما يكبر. هناك أساليب ضارة في التربية قد تتسبب في تدمير الأولاد الذين نحب. علينا أن نبدأ تربيتهم بطريقة صحيحة في طفولتهم كي نهيئهم لحياتهم حينما يكبرون. نحن لا نربي الأطفال ليبقوا أطفالا ما حييوا. نربيهم ليكونوا أفرادا نافعين لأنفسهم ولمجتمعهم وليبنوا أسرا مفعمة بالحياة السعيدة والنشاط الإيجابي.

المبالغة في الأبوة (بطرفيها من تجاه الأبوين) مضر للطفل. هذا النوع من الأبوة يجعل الوالدين يحومون حول أطفالهم، يتدخلون في كل صغيرة وكبيرة، ومحاولة الدفاع عنهم -حتى مع أترابهم الصغار- وتحقيق كل رغباتهم. هذه النمط من الأبوة يجعل الولد معتمدا على والديه ما حيا وتحرمه من أن يفكر باستقلالية، لاحقا.

نظرة مجتمعنا للأطفال بعد طفرة نهاية السبعينيات تغير بصورة ملحوظة. قبل ذلك، كان الولد يريد فقط رضا والديه. كان يساعد الأب في البحر والزراعة والمهنة. وكانت تساعد أمها في المنزل. كان الولد يعمل ويعطي نوله مباشرة إلى أبيه. بعد الطفرة، أصبح الآباء يطلبون رضا أولادهم ويبالغون لهم في العطاء. من عاشر الجيلين يعرف تماما ما أقول. الجيل الجديد لم يعش تلك الفترة التي اضطر فيها الشباب الانخراط في الأعمال الشاقة (مثل البناء) في العطل الأسبوعية ليساعدوا آباءهم أو الصرف على أنفسهم؛ حينها، لكل صنعة أو مهنة أو عمل. أتذكر، حين أوان البطيخ (الجح)، كان يدور الشباب على الباعة ليساعدوهم في النقل إن احتاجوا بثمن بخس. كان الطلاب يذهبون بعد مدارسهم في السوق بعرباتهم الصغيرة لنقل البضاعة إلى البيوت بثمن بخس جدا؛ قرشين (10 هللات)، أو أربعة قروش إن كان الزبون من الكرماء. رحم الله تربنا راشد (أكبر مني بسنتين). كان أبوه كفيف البصر وذا عيال كثر. بعد مدرسته، يأخذ راشد عربته متوجها للسوق، وفي مرة مرّ عامل يجر وراء ناقلته خلاطة إسمنت (حينها لم تكن هناك مصانع تخلط الخرسانة كما هو الآن – حينها تُخلط الخرسانة باستخدام تلك الخلاطة الصغيرة) انفصلت أثناء منعطف إشارة سيهات المتواجدة بجانب بنك الرياض (حينها لم تكن هناك إشارة ولم يكن مطعم باب المراد موجودا). تلك الخلاطة ضربت الصغير راشد في رأسه وهو يقود عربته طالبا لزرقه فمات شهيدا في اللحظة. هذه الحادثة أثرت على الجميع، خصوصا الأتراب الذين عرفوا راشدا. ولكن هكذا كانت تمشي الدنيا. الكثير من الصغار تركوا مدارسهم لمساعدة آبائهم. لم تكن الحياة حينها كما هي الآن.

قد يكون الأمر راجعا إلى شظف الحياة السابق ولعوامل نفسية معينة، بعد الطفرة تغيرت الموازين بصورة ملفتة للنظر. في الوقت الذي لم تتدخل آباؤنا في دراستنا، أصبح الوالدان يتدخلان كثيرا في أمور أولادهما المدرسية وتعليمهم في المنزل (لذلك أصبح الكثير من الأولاد ضعيفين في الدراسة وملحنين في اللغة وذلك لأن الآباء لا يحملون النفس التربوية والأهلية لقيادة دفة التعليم) حتى اتكل البعض من المعلمين على تعليم الآباء لأولادهم. وأخذ الآباء يحرصون على نصف العلامة ويتدخلون في إدارة المدرسة والفصل، حتى انفصل التعليم عن المعرفة وانصب حول التنافس في الحصول على العلامات الكاملة. حتى أصبح هاجس الطالب منصبا حول تحصيل العلامة الكاملة لإرضاء والديه، وذلك لأن إنجازه لم يعد له ولكن لوالديه.

لقد التبس الأمر على الوالدين وعلى الطلاب. حتى بات الجميع يخلط بين المهم والأهم، بل تم جعل الهامشي أكثر أهمية من المهم. ما يراه الوالدان ضروريا، قد لا يكون كذلك في الفترة الجامعية أو واقع الحياة. حتى أصبح تصرف بعض الآباء متطرفا لدرجة ملحوظة. الشكليات من أمثلة الهوامش التي ارتقت على حساب الأصالة والعقلانية. مثال ذلك أنه من الصعب أن نرى فضلات أطعمة في القمامة أو بذخ في الزواج، سابقا. فضلات أطعمة بعض الزواجات أصبحت مضرب مثل للفخر عند البعض. “وش يبقولون الناس”. “ما نبغي نفشل مع أحد”. “هل فلان يسوي أحسن منا”. “أنا لبست هذا الفستان الذي اشتريته بعشرة آلاف ريال في زواج حصة واستحي ألبسه في زواج ثاني”. الباقي عليكم.

لا أريد الإطالة، ونستمر في الحديث لاحقا.

محمد حسين آل هويدي
‏السبت‏، 18‏ أبريل‏، 2020م

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى