مايسطرون
2020-06-17

تراكم الأخطاء – 1


بسم الله الرحمن الرحيم – … «120» فَأَكَلَا مِنْهَا فَبَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ ۚ وَعَصَىٰ آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَىٰ «121» – صدق الله العظيم – طه.

هناك غلط وخطأ ومعصية. وكل منها يختلف عن الآخر. الغلط وضع الشيء في غير محله. الخطأ ضد الصواب. المعصية تعمد الخطأ. مثلا، لو عندنا مؤسسة بحاجة لحراسة. من الخطأ أن ننكر هذه الحقيقة ولا نلتفت لها. والغلط حينما نأتي بكادر حراسة غير مؤهل. والعصيان حينما أرفض فكرة الحاجة للحراسة. ليس فقط ذلك، ولكن أناضل لأجل أن ألغي هذه الحاجة.

كل ابن آدم خطاؤون. وخير الخطائين التوابون. بل القضية أكبر من ذلك. آدم وأبناؤه مجبولون على المعصية، كما تشير الآية الافتتاحية المباركة.

من يعترف بوجود الخطأ يتقدم. من لا يعترف يتقهقر. وهذه سنة الحياة. من أهم أسباب نجاح العلوم التجريبية وتقدمها الاعتراف بالخطأ ومحاولة تصويبه قدر المستطاع. وبسبب هذا الالتفات لقضية ورود الخطأ، فُتِحَت أبواب البحث والتحقق على مصاريعها.

الالتفات لوجد خطأ من أهم أسس التحسن والتطور. المكابرة في ذلك من أكبر عناصر الفشل والتقهقر.

لن نخوض في التفاصيل، ولكن التطور المتسارع الذي نشهده اليوم بسبب ثورة السليكون (الحوسبة). من ضمن دروس وأبحاث علوم الحوسبة المتقدمة محاولة اكتشاف مكامن الخطأ وتقليصها والحد من أخطارها. عدم وجود أي نوع من الخطأ مستحيل. فقط الله لا يخطئ. كل الناس تخطئ. بل أكثرهم يعصون. وبالرغم من ترفعه عن الخطأ إلا أنه تعمد زرع الأخطاء الجينية (في هذه الحياة فقط والتي يجب أن نشغل أنفسنا فيها بالتفكر في خلق الله كأفضل أنواع العبادة) كي يتعلم البشر من هذه الأخطاء وكي يصلوا إلى حسن صنعه ويقدروا قيمة أنفسهم وقيمة الخلق. البشر يسعون لإيجاد الجينة المثالية. وقد استطاعوا من إصلاح بعض الأعطاب الجينية. وهذا يعطيهم أدلة على مقدرة خلق البشر من جديد خالين من العيوب. عموما، هذا ليس موضوعنا.

نحن نتعرض لوابل من مكامن الخطأ وذلك في حل أي ظاهرة طبيعية (صناعية)، وهذا أمر طبيعي جدا وعلينا أن نتعايش. ولنعطي مثالا أننا نحاول قياس درجة حرارة الجو في أماكن مختلفة في مدينة ما (مثلا، الواق واق). نضع أجهزة القياس في أماكن مخصصة لتجمع البيانات في كل دقيقة وترسلها إلى حاسوب يحسب البيانات للوصول إلى نتائج معينة، ومن ضمنها التنبؤ بأحوال الجو. علينا أن نضع في بالنا أن كل جهاز من هؤلاء معرض للعطب ومن ثم الخطأ. كما أن بعضها بحاجة إلى معايرة (calibration)، ومثال ذلك عندما نشتري ميزانا علينا ضبطه على الصفر قبل أن نزن أي شيء. كذلك وأثناء نقل البيانات، قد تتفاعل موجات النقل مع أخرى كهرومغناطيسية تؤثر على دقة القراءة. مثال ذلك عندما تكونان إذاعتا راديو قريبتين من بعضهما فإننا نسمع التداخل ونضجر من هذا الإزعاج. وإن سلمنا من كل هذه المحاذير، فهناك خطأ لازب (لا مفر منه) في طبيعة صنع الحواسب الثنائية (التي لا تتعامل إلا مع صفر وواحد) بحيث أننا نخسر خانات عددية لأن الحاسوب يقرب ولا يعطي النتيجة بدرجة صحة 100%.

طبعا، قبل الوصول إلى مرحلة الحاسوب، لابد من نمذجة الظاهرة بدوال رياضية. الرياضيات لغة موضوعية ويمكن الاعتماد عليها. نموذج الظاهرة ليس بالضرورة صحيح 100%، وهذا ما حدث مع قوانين نيوتن للجاذبية، والتي أصلحها آينشتاين، والذي (أي آينشتاين) ربما تغاضى أشياء أخرى في نظرياته الجديدة. نحن نسمي هذه الأشياء نظريات، وذلك لإبعاد فكرة القداسة عنها ومراجعتها في كل حين للوصول لما هو أفضل على مر الزمن. لذلك، العلوم التجريبية تتحسن، وهذا أمر ملحوظ وليس بحاجة إلى إثباتات.

التجربة تختلف عن الرأي ويمكن فيها حساب نسبة الخطأ ومعرفته ومحاولة تفاديه والتقليل من أضرار الخطأ. ولكن الرأي ليس بالأمر الموضوعي الذي يتم بناؤه على نماذج رياضياتية يمكن حسابها. نعود لهذا الأمر في المقال التالي.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى