
مفتتح:
هناك نسقان تحكما في مسيرة المرأة في العالم العربي والإسلامي في عصور التخلف والانحطاط التي سادت مجتمعاتنا وبلداننا قاطبة، وانعكست آثارهما على كل حقول وجوانب حياتنا.
النسق التقليدي الذي يعتبر أن المنزل والبيت هما عالم المرأة ومملكتها تولد وتحيا وتعمل وتموت فيها.. والزواج ما هو إلا عملية نقل هذه الخدمة من بيت الأب إلى منزل الزوج. فهي رهينة المنزل وأحد ثوابته التي لا تتزحزح منه، ولا تغادره إلا للضرورة القصوى. والحياة العامة بكل ما تحمل هذه الكلمة من معنى ومسؤوليات، فليس من شأنها، ولا يحق لها ممارسة أي شيء فيها..
ويقسم النسق التقليدي عالم المرأة إلى قسمين.
عالم المرأة المثالية والصالحة والعفيفة، وهي التي تكون محجوبة عن المجتمع، ولا تمارس أي دور لصالح المجتمع والوطن
.
وامرأة فاسدة غانية، تمارس عمليات الغواية وتلبية نزوات وغرائز الذكور.. وبين هذين القسمين (في المنظور التقليدي) لا وجود للمرأة الإنسانة العالمة الأديبة المفكرة المديرة الموظفة التي يكون لها دور إيجابي وحسن في المجتمع.
ويشير إلى هذه المسألة الكاتب عبد القادر عرابي بقوله: إن النسق الثقافي يرى في المرأة تارة لغزاً وكائناً عجيباً، وأخرى رمزاً للغواية والإغراء.. إنها عورة والعورة شيء مقدس. ويؤكد هذه النظرة الكلاسيكية عن المرأة أيضا (زيدان عبد الباقي) بقوله: فالمرأة ليست شيئاً سوى الصورة أي ليست إنساناً، وإنما هي مخلوقة حقيرة على استعداد لبيع نفسها لأول عابر سبيل إذا غفل الرجل لحظة واحدة عن حراستها.
فالمرأة بدون الرجل مال سايب. وعلى ضوء هذه النظرية الكلاسيكية والدونية للمرأة، يتحدد مركزها الاجتماعي الذي عادة لا يكون انطلاقاً مما تقوم به المرأة من عمل أو ما تمتلك من كفاءة وموهبة وإنما على العكس من ذلك تماماً فإن اقترانها بزوجها الذي ينتسب إلى عائلة أو قبيلة أو عشيرة هو الذي يحدد نوع المركز الاجتماعي للمرأة. وأمام هذا النسق التقليدي هناك نسق عمري (إذا جاز التعبير) يعتبر قيمة المرأة فيما تشتري من البضائع المستوردة، ويظهر قيمة المرأة فيما تقتني من أدوات الزينة وموديلات الحياة والمعيشة.
ويمكن القول إن كلا النسقين لا يعكسان الصورة الأمينة لواقع المرأة المطلوب..
لأن كلا النسقين يبطنان تهميشاً واقعياً للدور والمواقع والوظيفة الذي ينبغي أن تقوم به المرأة، فالمرأة ليست تحفة أثرية موقعها الأبدي هو البيت وشؤونه. كما أنها ليست سلعة متحركة أو وجوداً مادياً غريزياً فقط وأمام هذين النسقين، أضحى الإنسان فاقداً للتوازن والرؤية الوسطية والموضوعية.. فقد يستفزه ما يجره الطرح المادي التشييئي للمرأة من مفاسد وآلام نفسية واجتماعية، فيميل إلى التشدد في النظرة إلى المرأة، ويبدأ بالتضييق عليها سواء كانت أماً أو أختاً أو زوجة..
وقد تستفزه مظاهر تهميش المرأة وانتقاصها، فيميل إلى تساهل يميع قضية المرأة، ويحولها إلى استغلال جنسي يلغي دورها الاجتماعي ليحولها إلى سلعة وبضاعة.. إن النظرة التشيئية إلى المرأة تعتبر أن جسدها هو رأسمالها الاجتماعي، فيختصر عالم اهتماماتها إلى حدود جغرافية جسدها فتوليه كل عناية واهتمام، حتى تضمن تسويق نفسها في مجتمعات الاستهلاك.
وعليه فإن كلا النسقين التقليدي والعصري ينتقصان من قيمة المرأة ويؤكدان حالة الاستلاب في مسيرتها الخاصة والعامة.. ولهذا نجد أن الثقافة السائدة داخل الأسرة والمجتمع ومؤسساته التعليمية ومنابره الإعلامية تكرس بأساليب مختلفة حقيقية أن الوجود الكياني للمرأة يختصر عند حدود جغرافية جسدها…
وبطبيعة الحال إن اختزال الكيان النسوي على الشكل السابق، من شأنه أن يضخم الجانب الجسدي في اهتمامات المرأة.. وعندما يسجن الرجال النساء في قفص أنوثتهن فإنهم يسجنون أنفسهم بطبيعة الحال في قفص ذكورتهم وهكذا يغدو الجنس صنماً وتتحول العلاقات بين الرجال والنساء إلى علاقات بين أشياء وإن يكن لهذه الأشياء سلطان مختلف على حد تعبير كتاب (ما معنى أن تكن مستغلات).
المرأة والعمل:
من هنا فإن السؤال الذي يطرح في هذا المجال هو: ما هي مجالات عمل المرأة الذي تحقق من خلاله دورها ووظيفتها في المجتمع:
الحقل التعليمي:
مع التطور الكمي الموجود في المستوى التعليمي للمرأة.. إلا أن الملاحظة العامة على هذه المسيرة التعليمية في مجتمعنا، هي أن التطور الموجود سمح بإعادة إنتاج المواقع الهامشية للمرأة في صورة جديدة ترتبط بحالة التطور.. وإننا هنا لا ندعو إلى تبديل وتغيير الأنساق القيمية والدينية المرتبطة بالمرأة أو إلى “تشكيل إمبراطوريات نسوية أو أن تتمرد المرأة على العادات والتقاليد الإيجابية، وإنما نريد أن نؤكد أن التطور الهائل الذي حدث في بلادنا يدعونا إلى البحث عن الموقع الطبيعي الذي ينبغي أن تتبوأه المرأة في مجتمعنا.. وإن الإطار السليم لطرح مسألة التعليم النسوي، هو أنه حق إنساني وفعالية إنتاجية ضد الجهل والتخلف.
وأن التعليم بالنسبة إلى المرأة مسألة ضرورية، وليست حاجة ثانوية يمكن الاستغناء عنها لأي سبب وعلة. ولا بد أن يرتبط تعليم المرأة بالحياة الحضارية للمجتمع، حتى لا يضحى التعليم مسألة شكلية هدفها تلبية تطلعات الأسرة أو المجتمع في الحصول على زوج مناسب أو ما أشبه.
وبالتالي فإن تعليم المرأة وتنمية ثقافتها ومعارفها ليس حلاً مؤقتاً ريثما يتم زواجها مثلاً، وإنما من الضروري احترام علم المرأة وثقافتها واعتباره هدفاً اجتماعياً بذاته، وتوفير كل الأطر والمؤسسات التي تستطيع من خلالها المرأة، أن تباشر دورها في عملية الإصلاح والتقدم.
ومواصلة المرأة التعليم ووصولها إلى مستويات عليا فيه، ليس بديلاً عن ضرورة مشاركتها وتحملها المسؤولية في الشأن العام الاجتماعي والسياسي. إذ للمرأة الحق والمؤهلات، التي يجعلها تتحمل مسؤوليات عامة، وتساهم من مواقع اجتماعية وسياسية عديدة في تطوير المجتمع وتنميته على جميع الصعد والمستويات.
المرأة والتنمية:
إن إشراك المرأة في العملية التنموية، ليس لحاجة السوق إلى عنصر بشري أو ضرورة لعصرنة المجتمع. وإنما وبالدرجة الأولى حق طبيعي وإنساني.. ويقول في هذا الصدد الفيلسوف ابن رشد “لا تدعنا حالنا الاجتماعية نبصر كل ما يوجد في إمكانيات المرأة، ويظهر أنهن لم يخلقن لغير الولادة وإرضاع الأولاد. وقد قضت هذه الحالة من العبودية فيهن على قدرة القيام بجلائل الأعمال.
ولذا فإننا لا نرى بيننا امرأة مزينة بفضائل خلقية وتمر حياتهن كما تمر حياة النباتات وهن في كفالة أزواجهن أنفسهم ومن هنا أتى البؤس الذي يلتهم مدننا”.. فالمرأة بما تشكله من قوة عددية ونوعية ينبغي أن تشترك في مشروع التنمية الشاملة.. لأن مجتمعنا سليماً وعزيزاً لا يقوم أو يبني بدون مشاركة المرأة إيجابياً فيه..
والسؤال هو: كيف تستطيع المرأة في مجتمعنا أن تلبي تطلعاتها وطموحاتها، وتتحمل وظائفها ومسؤولياتها العامة، مع الالتزام بالقيم الدينية ومحاسن العادات والتقاليد في المجتمع.
وفي البدء لا بد من القول: أن كل مجالات الحياة (على المستوى المبدئي) مفتوحة للمرأة، فهي كائن إنساني، يحق له كالرجل أن يتبوأ المواقع والمسؤوليات، ويتطلع إلى تلبية وإشباع تطلعاتها وطموحاتها وممارسة كل الأدوار والوظائف.
وكل هذه الأمور تماس في إطار الالتزام بالحجاب الشرعي والأخلاقيات العامة. لذلك من الخطأ التعاطي مع الشأن النسوي بصيغة ما هو المسموح لها، وذلك لأن هذه الصيغة، تستبطن الكثير من المحظورات والموانع التي لا تستطيع المرأة أن تتعداها. والتعامل السليم في تقديرنا مع المسألة النسوية يتم على قاعدة هذه القيم الرئيسية (الالتزام – المشاركة بكل مجالاتها وآفاقها – والمسؤولية بكل مقدماتها ومتطلباتها) وبالتالي فهي شقيقة الرجل في تحمل المسؤولية العامة وتطوير المجتمع وتنميته.
وإن تراجع دور المرأة في مجتمعاتنا، أو وجود بعض المخاطر والتحديات، ينبغي أن لا يدفعنا إلى المزيد من خلق القيود على حركة المرأة. ولابد أن ندرك أن الكثير من التحديات أو المظاهر السيئة لواقع المرأة في مجتمعنا، هو من جراء تلك القيود الاجتماعية والسياسية التي تعمق خيار إقصاء وتهميش المرأة. وإننا نتطلع إلى واقع اجتماعي جديد، قوامه فسح المجال القانوني والاجتماعي للمرأة، لكي تمارس دورها العام، وتتحمل المسؤوليات وتقوم بالواجبات الاجتماعية والوطنية. وهنا لا ندعو القول أن هذه الضوابط والقيم، لا تمنع المرأة من أن تقوم بدورها العام في مختلف المجالات، بوصفها كائناً إنسانياً، له ما للإنسان وعليه ما على الإنسان.
فممارسة المسؤولية في الحياة العامة، واجب ديني وإنساني، ولابد من تهيئة الظروف لكي تمارس المرأة واجبها في هذا الإطار.
الحقل الثقافي:
إن الثقافة بتطلعاتها المشروعة وآفاقها العديدة، تبقى حبراً على ورق أو ذات تأثير فوقي في الكيان المجتمعي إذا لم يكن هناك اهتمام جدي بمسألة المرأة ومشاركتها الثقافية والاجتماعية.. كما أن إخراج المرأة من اهتماماتها الجزئية والنسوية المحضة إلى الهم الثقافي والمجتمعي العام، لا يتأتى إلا بدفع حركة الوعي عند المرأة حتى تنتقل من هذه الاهتمامات الجزئية والدونية إلى عالم المشاركة في صنع المعرفة وإنتاج الثقافة بما يفيد أبناء المجتمع عموماً..
وإننا نقول أن أنشطة المرأة الثقافية والأدبية والتوعوية، لا تختلف في مضامينها وأهدافها عن أنشطة الرجل. لذلك فإن مجالات أنشطة المرأة الثقافية هي ذاتها مجالات أنشطة الرجل..
وإن الإسلام لا يريد من المرأة أن تلتزم باللباس الإسلامي (الحجاب) وتنكفئ في بيتها لا تمارس أي دور اجتماعي أو ثقافي أو عام في حياتها.. وإنما نحن نقول أن إلزام المرأة بالحجاب، هو بداية المشوار وليست نهايته.. وإن اللباس الإسلامي ما هو إلا خطوة أولى في طريق انطلاق المرأة للقيام بواجباتها الثقافية والتوعوية..
إن مسؤولية المرأة تجاه مجتمعها وأمتها، تتطلب منها القيام بالأدوار الموكولة إلى الإنسان المسئول تجاه مجتمعه وأمته بصرف النظر عن جنسه سواء كان رجلاً أو امرأة..
وإن إصلاح وتطوير وضع المرأة في مجتمعنا، لا يمكن إلا من خلال قيم الدين، من خلال تفعيلها في الواقع المجتمعي. بعيداً عن تفسيرات الجمود والانزواء التي سادت في حقبة من الزمن.
ونحن في هذا الإطار بحاجة إلى إعادة قراءة قيم الدين والتجربة الإسلامية التاريخية في التعامل مع المرأة. إذ إنها تجربة ثرية في مشاركة المرأة وتحملها للمسؤولية على مختلف المستويات ولقد أجاد المرحوم عبد الحليم أبو شقة في موسوعته( تحرير المرأة في عصر الرسالة ) في بيان وتوضيح أدوار المرأة ومسؤولياتها الكبرى في العهد النبوي الشريف.
إن عدالة الشريعة الإسلامية، تقتضي التعامل مع المرأة بعيداً عن المسبقات الفكرية والاجتماعية، التي تعزل المرأة وتهون من دورها ووظيفتها في المجتمع. كما إننا بحاجة إلى إصلاح منظومة القيم الاجتماعية، حتى تنطلق المرأة في رحاب الحياة بالتزامها الشرعي بعيداً عن الانعزال والانكفاء من جانب وعن الاستلاب والتغرب من جانب آخر. فالعادات الاجتماعية ترى ” أن المرأة فيها مهددة الوجود بين قطبين أحلاهما مر، في أحدهما يتربص التعسف من قبل التقليديين في استخدام حقوقهم الشرعية وتقليص ما نصبت عليه الشريعة من حقوق للمرأة في الكرامة والسكن والأمن والعدل.
وفي الجانب الآخر هناك القطب المتغرب الذي يتبنى الخروج عن مرجعية الدين فيطيح بما بقي للمرأة من حقوق شرعية نتيجة الإطاحة بالمنظومة الدينية نفسها. وفي كلتا الحالتين كان الإفراط والتفريط من قبل الرجال في الدين سبباً في أزمة المرأة في مؤسسة الأسرة التي تمثل الوطن الأول للمرأة في الكيان الاجتماعي.”
وفي إطار العمل على تطوير وضع المرأة في مجتمعنا، وإخراجها من دهاليز العزلة والتهميش، نرى من الضروري أن نؤكد على النقاط التالية:
1- إن نهوض المرأة في مجتمعنا، مرهون إلى حد بعيد بتحرير مبادئ الدين وقيمه من أسر الجمود واليباس والقراءات التاريخية المنطلقة في عصور التخلف والانحطاط. وذلك لأننا نرى أن الدين الإسلامي بقيمه الخالدة ومبادئه العليا، قد أولى للمرأة عناية خاصة، وأنزلها منزلة عليا في السلم الاجتماعي، وحثها على ممارسة دورها وتحمل مسؤوليتها بدون تمييز وتهميش.. ولكن عقلية الجمود وثقافة عصور التخلف والانحطاط، هي التي تمنع المرأة باسم الدين من القيام بأدوارها الطبيعية والإنسانية.. لذلك لا يمكن أن يتطور وضع المرأة في مجتمعنا، إلا بتحريره من قيم الجمود واليباس والقراءات الجامدة والحرفية للدين. فالدين بما يشكل من قيم ومبادئ، وبما ينسجه من منظومة قيمية على الصعيد المجتمعي، هو قاعدة تحرير المرأة من جمودها وهامشيتها على مختلف الصعد والمستويات.
2- لا شك أن شيوع ثقافة الاستبداد بكل مستوياتها، يساهم في إقصاء المرأة وتهميش دورها. وذلك لأن الثقافة الاستبدادية، لا تفرق بين رجل وامرأة.. ولذلك نستطيع القول: أن الاستبداد السياسي هو أحد المسئولين الأساسيين عن تهميش المرأة وإقصائها من الحياة العامة.. ولا يمكن أن تمارس المرأة حريتها ودورها الحقيقي، إلا بتفكيك ثقافة الاستبداد وأنماطه المغلقة، وإعادة كشف واستكناه معاني الحرية ومجالاتها وقيم حقوق الإنسان وسبل صون الكرامة الإنسانية.
فالحرية السياسية، ومقاومة كل أشكال الاستفراد بالرأي والقوة، هو أحد الأبواب الرئيسية، التي تمكن المرأة من الخروج من هامشيتها وعزلتها، وممارستها لدورها ومسؤولياتها في الحياة العامة.. ولا يمكن للمجتمع أو المرأة، مهما أويت من قوة أن تحصل على حقوقها غير منقوصة، بعيداً عن قيم الحرية السياسية وحقوق الإنسان.. فهي قاعدة نيل الحقوق، وهي وسيلة المجتمع للإنعتاق من آسار التخلف والاستبداد. وتقول في هذا الإطار ( نظيرة زين الدين ) ففتحت كتاب الله وكتب الحديث الشريف، وكتب الفقه والتفسير وأطلقت للعقل حريته في تعقلها فكان لي من كتاب الله وسنن رسوله أنواع هدى في الحرية، وحرية المرأة وحقوقها تستحي منه الشمس إذا طلعت.
3- إن المرأة في مشروع إصلاح أوضاعها للخروج من العزلة والهامشية، تتحمل مسؤولية رئيسية في هذا الإطار.. إذ أن حجر الأساس في هذا المشروع هو أن تتحرك المرأة من مواقع مختلفة لنيل حقوقها ورفع الحيف عنها. فمشاركة المرأة الفاعلة في قضايا الإصلاح والتطوير، هو مربط الفرس في هذه العملية.. ولا يمكن أن تنال المرأة حقوقها، بدون كفاح نسوي مستديم يستهدف تعميق الوعي بالحقوق والوظيفة الاجتماعية والحضارية، وامتلاك إرادة صلبة لتجاوز كل عقبات الطريق، وتحمل كل الأذى وذلك لنيل الحقوق، وتحرير المرأة من كل قيود التخلف والانحطاط. فحقوق المرأة في المجتمع، لا تعطى، وإنما تؤخذ بالوعي والإرادة والعمل المتواصل في هذا السبيل.. وعلى المرأة أن تتحمل مسؤوليتها التاريخية في هذا الإطار.
فهي حجر الأساس في هذا المشروع، وبدونها يبقى الكلام حبراً على ورق، ووعداً بدون إرادة لإنجازه. والمرأة في كل المجتمعات، لم تحصل على حقوقها، إلا بكفاحها المستميت، وسعيها المتواصل لتجاوز كل ما يحول دون هذه الحقوق والمكتسبات.
وإن هجر ميراث التخلف على هذا الصعيد، يتطلب دوراً نوعياً من المرأة تقوم به، لإثبات جدارتها وحقها الثابت في تحمل المسؤولية في الشؤون العامة. وهذا بطبيعة الحال، يقتضي أن تهتم المرأة ببناء كفاءتها وتطوير قدراتها، وتجميع طاقاتها، حتى يتسنى لها من موقع القدرة والجدارة تحمل المسؤولية في الشؤون العامة.. وبالتالي فإن المرأة في مجتمعنا، مسئولة عن اجتراح مبادرات وأطر ومؤسسات وأجندة تستهدف بناء وتطوير الواقع النسوي في بلادنا.. ومفهوم القوامة في الإسلام {الرجال قوامون على النساء}، لا ينفي مسؤولية المرأة في هذه الحياة.. وإنما خطاب الآية موجه للرجال، بأنهم هم المسئولون عن توفير المستلزمات الضرورية للحياة وأسباب العيش الكريم لمن هم تحت مسئوليته ورعايته.
وهذا بطبيعة الحال، لا يخول للرجل الاستبداد وإلغاء مكونات الأسرة والعائلة ودورهما في الاستقرار الأسري والاجتماعي.
فالعلاقة بين الرجل والمرأة، علاقة تكاملية، بحيث أن كل طرف من موقعه الاجتماعي والإنساني، يؤدي وظيفته، ويقوم بمسؤولياته.. قال تعالى {والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويقيمون الصلاة ويأتون الزكاة ويطيعون الله ورسوله أولئك سيرحمهم الله إن الله عزيز حكيم} والخطاب القرآني حينما يحث الإنسان على اكتساب القيم وتمثل المبادئ، لا يفرق بين الجنسين، بل هو خطاب مشترك لتكافؤهما في الأهلية والمسؤولية.. قال تعالى {يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالاً كثيراً ونساءً واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبا}
وقال تعالى {يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم خبير} فالرؤية القرآنية تؤسس الكثير من القضايا المتعلقة بالمرأة على أساس إنسانيتها وليس أنوثتها، لذلك فهي تشترك وفق الرؤية القرآنية في مسؤولية الإنسان في الحياة على مختلف المستويات. مع استثناءات بسيطة تذكرها كتب الفقه، لا تضر بالأصل ولا تسقطه.. فهي مطالبة بالعلم والعمل والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر واكتساب التقوى والدعوة إلى الدين والمساهمة في بناء الأسرة والمجتمع.. وهي عناوين كبرى تشترك والرجل في تحملهما للمسؤولية.. والخصائص الفسيولوجية للمرأة، لا تمنع بأي حال من الأحوال من تحملها للمسؤولية على المستويات الاجتماعية والثقافية والسياسية..
والحجاب ليس سجناً ومعوقاً للمرأة ” فهي تستطيع أن تتمسك بالحجاب وتمارس في الوقت ذاته نشاطها في ميادين السياسة والاجتماع والثقافة والاقتصاد، غاية ما في الأمر أن عليها مراعاة القيم والتعاليم الإسلامية، الأمر الذي لا يمثل قيداً خاصاً للمرأة بل يشمل الرجل أيضاً، حيث عليه أن يحدد سلوكه السياسي والاجتماعي والاقتصادي بالشريعة”.