
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم – بسم الله الرحمن الرحيم – … «31» أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ ۚ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ۚ وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا سُخْرِيًّا ۗ وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ «32» … – صدق الله العظيم – الزخرف.
ما معنى الاحترافية (professionalism) وما شروطها؟
الاحترافية مهنة تتطلب معرفة متخصصة وغالبًا تتضمن إعداد أكاديمي طويل ومكثف. كمثال حي، وعلى مر السنين، اعتمدت حكومة الولايات المتحدة الأمريكية قوانين وأنظمة للعمل التي تتطلب تعريفًا أكثر دقة لما يُقْصَدُ به الموظف المحترف. يُعَرِّف قانون اللوائح الفيدرالية للولايات المتحدة “الموظف المحترف” بأنه الشخص الذي يشارك في أداء العمل:
1. الذي يتطلب معرفة متقدمة في مجال علمي أو تدريب مستمر يتم اكتسابه عادة من خلال دورات طويلة من التعليم المتخصص والدراسة في مؤسسة للتعليم العالي أو في مستشفى، وذلك على خلاف المعرفة المكتسبة من التعليم الأكاديمي العام، أو من التدريب المهني الخاص، أو من التدريب على أداء الأنشطة الروتينية العقلية أو اليدوية أو الميكانيكية أو البدنية؛
2. الذي يتطلب ممارسة منضبطة ورشد في التقدير والحكم (يحتاج إلى دقة ومقاييس موضوعية وموزونة وسبق تجربتها)؛
3. الذي يغلب فيه على المحترف الطابع الفكري والثقافي المتنوع في طبيعته (يختلف عن العمل الروتيني العقلي أو اليدوي أو الميكانيكي أو البدني)؛
4. الذي يتسم بطابع لا يمكن معه توحيد أو تحديد معايير ثابتة أو نتائج موحدة؛ خصوصا، مع الفوارق الزمنية (مثلا، لا يمكن علاج كل المرضى بنفس الدواء أو إعطائهم نفس الجرعة من المخدر أثناء العمليات).
بمعنى آخر، يحتاج المحترفون، مثل الأطباء والمحامين والمحاسبين، إلى تدريب وخبرة متقدمة؛ وعليهم أن يمارسوا حرية التصرف والحكمة في سياق عملهم؛ ولا يمكن وضع معيار محدد لظروف عملهم. يتوقع الكثير من الناس أيضًا أن يساهم المحترفون في رفعة المجتمع، وأن يواصلوا برامجهم التدريبية مدى الحياة (بصورة رسمية وغير رسمية)، ومواكبة التطورات في مجالهم، ومساعدة المحترفين الآخرين وتنميتهم. بالإضافة إلى ذلك، تحمل العديد من الأدوار الاحترافية حقوقيا ومسؤوليات خاصة. فالأطباء؛ على سبيل المثال، يصفون الأدوية ويجرون الجراحة ويطالبون بالاحتفاظ على سرية علاقة الطبيب بالمريض، وعدم فضح المريض أو نشر غسيله.
في الغالب، لا يحتاج المحترفون فقط إلى شهادات أكاديمية ولكن إلى رخص مزاولة المهنة والتي لابد من تجديدها باستمرار. وهناك بعض المهن الاحترافية التي توجب شهادات أكاديمية ولكنها لا تحتاج إلى رخصة مزاولة؛ مثل الرياضيات والفيزياء والحوسبة، وأمور أخرى. ولكن لمثل هذه المهن الاحترافية سبع شروط ضرورية كي يلتحق المزاول مع ركب المحترفين:
1. الرقي بالعميل
على العميل والمحترف الارتقاء بالفكر والبضاعة بتضافر الجهود المشتركة بحيث يفهم العميل قدرات المحترف، ويعرف المحترف احتياجات العميل.
2. الحاكمية
المحافظة على حقوق ومصالح الآخرين والشعور بالمسؤولية تجاههم.
3. التواصل
التواصل البناء بطرق شتى حتى يزول الالتباس إن وجد بحيث لا يمكن البناء على سوء فهم.
4. الشفافية
توضيح الأمور للمستهلك في نوعية الإنتاج ومكوناته ومقدار تكلفته وكيف يمكن تخفيض التكلفة إن أمكن. مثلا، قد يطلب مريض أسنان ضرسا بمواصفات تزيد عن حاجته. هنا يأتي دور الطبيب في نصحه وإرشاده وعدم استغلال جهل المريض بالبدائل المتاحة والتي يمكن الحصول عليها بقيمة أقل.
5. النمذجة
ابتكار نماذج مصغرة للمساعدة في تكوين نماذج أكبر من تلك المكونات البسيطة. مثلا، عندما تتعطل مضخة مياه، ربما يكون خللها أمرا بسيطا جدا وبحاجة فقط لتغيير قطعة صغيرة وبسعر زهيد؛ فحينها، لا داعي لاستبدال كل المضخة بسبب عطب بسيط. أو عندما يقوم مصنع بابتكار عجلات تستفيد منها أكبر عدد من السيارات وذلك لمنع الاحتكار.
6. العولمة
التواصل مع العالم الخارجي بأمانة وصدق بحيث يكون سعر السلعة المستهلكة موحدا في جميع أنحاء العالم. عندما تذهب لبعض البلدان تجد فوارق في السعر للمواطن والسائح، وهذا ضد مبادئ العولمة.
7. الإنتاجية
الإنتاجية تنص على إنتاج عدد كافٍ من القطع بأسعار مقبولة للجميع بحيث يمنع الاحتكار. مثلا، قبل كورونا، كانت علبة القفازات لا تتجاوز 3 دولارات وفجأة وصلت إلى أكثر من 10، بالرغم من أن البضاعة هي نفسها لم تتغير. في مثل هذه الأمور، على المصانع توليد أكبر عدد ممكن من منتوجاتها لتمنع شجع التجار باستغلال حاجة المستهلكين.
ليس من السهولة أن ينضم المهنيون أو أصحاب التخصصات المختلفة الدخول ضمن نطاق الاحتراف. ومن أراد، عليه أن يلتزم ببعض البنود الذي تم ذكرها سابقا، مع مراعاة الحاجة وفوارق الزمن. الانحياز للذات والنوع وتزكية النفس تخرج الممارس من نطاق الاحتراف. إيقاف الزمن على رأي معين وفرضه على الناس في كل الأزمان لا يتسق مع الاحتراف. الاستخفاف بالمستهلك يتعارض مع الاحتراف. احتكار العلم والفهم بعيد كل البعد عن الاحترافية. الحكم على كل الناس بمقياس واحد ضد للاحترافية. إهمال إحكام ممارسة مهنة معينة وترك الحبل على الغارب أقرب للفوضى من أن يكون للاحتراف، وهذا دليل ضعف وتخبط وعدم تمكن وفقدان للضوابط الموضوعية التي يلتزم بها المحترفون.
محمد حسين آل هويدي
الجمعة، 18 سبتمبر، 2020