
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم – بسم الله الرحمن الرحيم … «22» إِنْ أَنْتَ إِلَّا نَذِيرٌ «23» إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ بِالْحَقِّ بَشِيرًا وَنَذِيرًا ۚ وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلَّا خَلَا فِيهَا نَذِيرٌ «24» … – صدق الله العظيم – فاطر.
ما دور الأنبياء والأوصياء؟ حسب الآيات المباركة، التبشير والإنذار، ولا شيء آخر. مهمة الأنبياء والأوصياء الأساسية الإصلاح. “أما بعد، فإني لم أخرج أشراً ولا بطراً ولا مفسداً ولا ظالماً وإنما خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدي رسول الله؛ أريد أن آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر”.
أتعرض يوميا لوابل من الأسئلة؛ من كل حدب وصوب، خصوصا العراق. أقول للشباب العراقي أنتم قريبون من المصدر فاسألوه. فيردون أنهم يعرفون ردَّ المصدر مسبقا ولم يعد يقنعهم ولم يعودوا يثقون في المصدر المنشود. شباب اليوم غير شباب الأمس. وشباب الغد سيكون مختلفا عن شباب اليوم. الشاب العصري بدأ يتساءل، بل ويطرح أسئلة جريئة، وقد تصعب الإجابة عليها. لم يعد هذا الشاب يقبل بأي رد. يريد إجابات منطقية وعلمية رصينة، بعيدة عن العواطف والأمنيات والطهبلة (الكلام السريع الفارغ).
من ناحية سقراطية، السؤال أهم من الجواب. ليس من الضروري أن تحصل على إجابة وافية. ولكن من المهم أن تطرح هذه الأسئلة. بالسؤال يحرك الناس عقولهم. ولا بأس بالسؤال؛ أي سؤال، مهما كان سخيفا أو بعيدا عن الفكر الذي تربى عليه الإنسان.
عندما تدور قصص إعجازية وكراماتية عن أنبياء أو أوصياء، يسأل الشاب: وهل بنفس المقياس والمسطرة نستطيع أن نقول إن أفلاطون الذي سبق الإسلام بألف عام وأكثر وبدون كرامات ومعاجز ألّف أكثر من ٢٤ كتاب، ولذلك يكون أفضل ممن سبقه ومن تبعه نظرا لصعوبة ظروف التأليف آنذاك وكونه يعتمد فقط على قدراته البشرية دون مساعدة أو محاباة من السماء؟ علما أنه وبالرغم من تأييد السماء المطلق لم يؤلف لا نبي ولا وصي أي كتاب بيديه وأن تراث الأنبياء والأوصياء نقله الأتباع (أكثرهم أميون) بالأفواه ثم تم تجميعه وكتابته بمعيبات النقل وانحراف الفهم؟ وفيما يلي، نماذج لهذه الأسئلة:
لماذا لا نتحدث فقط إلا عن معاجز وكرامات لم يشهدها أحد وفي الغالب لا تحدث إلا في الصحراء أو دول الواق واق التي لم تُدَوِّن هذه الكرامة لأنها من المستحيل أن تتكرر؟ فكيف يغفل عن تدوينها وكتابتها من حدثت في أراضيهم وعلى مرأى من عيونهم ومسمع من آذانهم؟ هل عجز هؤلاء الأنبياء والأوصياء عن تأليف كتبا عقلانية وموضوعية تصل للأجيال في كل زمان ومكان بدلا من كرامات لحظية لا يستفيد منها أحد؟ هل سألنا أنفسنا وبتجرد، لماذا لم يؤلف الأنبياء والأوصياء كتبا كما ألف قبلهم الأولون في الصين والهند واليونان؟ ما المانع؟ وهل السبب في إكثار المعاجز والكرامات عبارة عن تغطية عن الفقر للإنتاج الواقعي لهم؟ يردد الشاب: من الطبيعي أن نخلق معاجز وكرامات لمن لا يملك شيئا ملموسا ومحسوسا يستفيد منه الناس. ويواصل: هذه الكرامات مجرد تغطية، لا أكثر.
هل أراد الأنبياء والأوصياء أن تتحول الدنيا بعدهم فوضى بسبب النقل المغلوط أو المحرف؟ أم أنهم ألّفوا وكتبوا وكان من مصلحة الأتباع إعدام مؤلفاتهم كي يتسنى لهم التأليف والتحريف كما يشاؤون؟
كل هذه أسئلة مطروحة وبحاجة لإجابات وافية. وعلينا معرفة الأسباب التي منعت الأنبياء والأوصياء من التأليف، على الأقل لتنوير الأجيال القادمة؟ هل لأن دور الأنبياء والأوصياء محدود بزمانهم وينتهي مع موتهم؟
لماذا لا تزال تدرس كتب وأفكار أفلاطون وأرسطو وطاليس وفيثاغورث وأرخميدس في الجامعات الحديثة التي لا تعرج على مؤلفات أخرى، بعضها مقدس؟
لو طرح علينا أحدهم هذه الأسئلة، كيف نجيب عليه، بعيدا عن استخدام العاطفة الجياشة والارتباط المسبق بشخصيات تاريخية معينة؟
أنا أعجز عن إجابة هذه الأسئلة. وأتركها لك أيها القارئ الكريم للتدبر ومحاولة الإجابة عليها بعقلانية وموضوعية بعيدا عن العواطف. شباب اليوم لم يشهدوا معاجز الأمس. هم فقط يرون آثار الأمس على اليوم، وهذه الآثار لم تعد مرضية.
*محمد حسين آل هويدي*
الأحد، 11 تشرين الأول (أكتوبر)، 2020م
الموافق 24 صفر، 1442هـ