
في مرة من المرات زارنا خال لنا (رحمه الله) في عمرنا من البحرين مع أمه، فرآنا كلنا نصلي صغارا. لم يكن مكلفا، ولكنه أحس بالغربة فطلب إلى أمه “أماه، علميني الصلاة”. الطفل في الغالب يتعلم من التصرفات، أكثر من القول والنصح، ولن يتغير حاله بكثرة الكلام، بل سيمل.
الصلاة في بدايتها تكون عادة، ثم تتحول إلى عبادة، وفي المراحل المتقدمة تتحول إلى حاجة. وصلتُ إلى مرحلة أنني أحتاج الصلاة وأمارسها على أنها حاجة، بعيدا عن العادة، أو حتى العبادة؛ لأن الصلاة أساسًا فائدة لنا وحاجة، وليس الغرض من تأديتها التخلص من واجب، لو أتى النداء السامي من السماء، بأن الصلاة قد تم رفعها كفرض واجب، فإنني لا أستطيع العيش في هناء وطمأنينة بدون صلاة، سأستمر في الصلاة؛ لأنها أصبحت للروح، مثلما يكون الدم للجسد، علموا أولادكم الصلاة، بالصلاة أمامهم قدر المستطاع، هم سيحاولون تقليدكم دون عناء.
من هذه الصورة مثال لحفيدي “حسن مجتبى” الذي يقوم أحيانًا من حلبة اللعب؛ ليأتي ويحاول حلّ جزء من كتابه الخاص قدر المستطاع، فنسأله “لماذا قمت من لعبك وأتيت للكتاب؟” فيرد، “لأحل واجباتي”.
هذا الولد ربا في بيوت شغوفة بالكتب ومواصلة الدراسة، وُلد وكان أبواه طالبين، أتى مع ذويه وسكن في بيت جده لأمه، البيت -ما شاء الله- حافل بخالاته الطالبات، اللاتي يدرسن ويحللّن واجباتهن، الآن أمه مستمرة في القراءة، وأبوه مستمر في الدراسات العليا، فدائمًا وأبدًا يرى قراءة، ويسمع أن من حوله مشغولون بحل الواجب، يأتي عندنا في البيت فيراني وجدته، نمسك كتبًا نقرأ فيها، عمه أيضًا يدرس عن بعد، فنبعده عنه، حيث نقول له: “إنّ لعمك واجبا عليه أن يسلمه”.
أينما ذهب هذا الطفل وجد الكتاب، ورأى القُراء، و وعى للواجبات،هو يحاول أن يقلد، وهو يشعر أنّ عليه واجبًا لابد عليه أن يقوم به، كما يفعل الآخرون، عندما يكبر هذا الطفل وفي هذه البيئة، لن تكون هناك عوائق من ناحية التزاماته بالقراءة وبواجباته؛لأنه وعى وهو يرى أنّ هذه الأمور طبيعية جدًا، بل وجزء أساسي من الحياة.
أخته التي تصغره بسنتين، لا تفكني إلا حينما أقول لها إنني أريد أن أصلي؛ حيث حان وقت الصلاة، وتتفهم أنّ الصلاة شيء مقدس لابد من فعله، وتدور حولي حتى أفرغ،عندها تسألني “هل فرغت من صلاتك الآن؟!”، إن قلت نعم، رفعت ذراعيها للأعلى بمعنى “شيلني”.
المغزى من كل هذا أنّ الطفل يتعلم من التصرفات، أكثر مما يتعلم من الكلام والنصيحة، انظر ماذا تريد لأولادك أن يكونوا في المستقبل، حينها افعل ما تود لهم أن يفعلوه، إن لم تحب القراءة تعلّم كيف تقرأ، إن لم تكن عندك واجبات أو فروضات، ابتكر أشياء وبين لهم، إنّ عليك واجبات عليك القيام بها.
وكما قال الأتقياء “كونوا دعاة لنا بغير ألسنتكم”.