الرئيسيةوطن
2022-05-08
رَوَيَا يوميات بشر تعاقبوا على أرضها منذ 7 آلاف عام

جزيرة تاروت… «تاريخان» فاصلان و«سيناريوهان» مختلفان

وسام الناصري - خليج الديرة

عند مدخل حيّ الديرة بجزيرة تاروت المطلة على ساحل الخليج العربي تبدأ الحكاية، حكاية تأريخ قديم، وحضارات لأقوامٍ شتى تركت دلالات ورموز على استيطانها البشري من فخاريات، وتماثيل، ونقود، ونقوش ذات ألواح، وأخرى إكسسوارات، وملبوسات من ذهب وعاج وفضة….

فالجزيرة التي تتبع محافظة القطيف إدارياً، ورابع أكبر جزيرة في الخليج العربي بعد قشم وبوبيان، ومملكة البحرين، يظن البعض أنها قامت بقيام قلعتها الشامخة على تلٍ شاهق؛ هي في الحقيقة أقدم بكثيرٍ من هذا التاريخ المدون، الذي يروي جزءاً قليلاً عن قيامها، وجمعت في مكانٍ واحد أعظم، وأقدم شاهدين تاريخيين مختلفين تماماً على أرضها.

قصر ومعبد

وطبقاً للباحث في التاريخ القديم «حسن الطويل» الذي له عدة أبحاث، ومحاضرات من بينها محاضرة جلجامش، وبلاد القطيف، ودراسات حول الأدب والتاريخ القديم للمنطقة؛ فإن المنطقة تتميز دون غيرها من المناطق الأخرى بشاخصين بارزين، ولهما تاريخان مختلفان، الشاخص الأول «القصر»، وهو المنطقة الأثرية ذات طبقات الاستيطان الركامية بعيدة المدى التي بُنيت عليها القلعة، وهذه يعود تاريخها لما قبل 7000 عام (5000 ق.م) حسب الدراسات الأثرية التي كشفت عن وجود آثار فيها تعود للعصر الحجري الحديث، أما الشاخص الثاني، وهو الأبرز «القلعة» وأبراجها الأربعة – الموجود منها حالياً ثلاثة أبراج- والقلعة التي بُنيت على آثار القصر القديم أو ما يسميه البعض بالمعبد، وقد اختلفوا في تحديد مَنْ ومتى أُنشئت، والبعض أرجعها لفترة الاحتلال البرتغالي قبل 500 عام تقريباً، ولعل القلعة كانت موجودة منذ فترة المملكة العيونية قبل 950 عاماً وربما أقدم من ذلك.

تأريخ القلعة

وشدد «الطويل» على أن ما يتكرر قوله إنّ تاريخ القلعة يعود لـ 3000 عام، معلومته غير دقيقة على أيّ من الشاخصين لأن أقرب فترة للعصر الحجري الحديث هو 7 الآف عام يعني 5000 ق.م، وقد جدوا آثاراً في تاروت تعود لـ 2300 ق.م مثل أواني الحجر الصابوني، وتمثال الرجل العابد، فعمر القلعة الحالية حوالي 1000 عام أو أكثر قليلاً إذا صدقت المقولة بأنها تعود لعصر الدولة العيونية.

الدليل الأفضل

وبيّن أن تاريخ «العين العودة» أفضل كدليلٍ؛ لأن «جيوفري بيبي» رئيس البعثة الدنماركية للتنقيب عن الآثار ذكر في كتابه «البحث عن دلمون» أن عمر العين لا يقل عن 4000 عام، وأن قاعدة القلعة هي طبقات استيطان متعددة أقدمها 5000 ق.م أي 7000 عام؛ فمن المنطقي أن تكون العين ملاصقة للمعبد، وبالتالي إذا كان عمر العين يفوق 4000 عام فإن المعبد كذلك بل وأكثر؛ فالقلعة مهمتها اكتشاف العدو مسبقاً والحماية من هجماته فهي تحتاج لمكان مرتفع والقصر هو أعلى مكان في جزيرة تاروت، لذا تعين بناء القلعة فوق القصر «المعبد».

تمثال العابد

ويوضح الباحث أن هناك دليل ثان أقوى من العين، ألا وهو تمثال العابد.. وهل يكون تمثال العابد إلا في المعبد! وهذا التمثال يرجع لما قبل 4300 عام، وقد وجد في الجانب الغربي لركام القصر ، وهذا يعني أن بناء المعبد أسبق من التمثال ، إذ المنطق يفرض أن المعبد يكون سابق على تمثال العابد الذي يزينه، فليس بعيداً أن يكون بناء المعبد موازياً أو قريباً من زيارة «جلجامش» للجزيرة ، لاسيما أنه جاء للقاء «زيوسيدرا» الذي يرمز لشخصية النبي نوح – عليه السلام- عند السومريين؛ فجزيرة تاروت لم تكن فقط لعشتار؛ بل أيضاً لزيوسيدا، وأيضاً لأنكي (الخضر) عليهما السلام.

السؤال الملّح جداً ..

لماذا أصبح موقع قصر تاروت بهذه الأهمية التاريخية؛ بحيث بلغ عمره 7000 عام؟! ولماذا هذا التراكم الحضاري من العصر الحجري الحديث مروراً بحضارة العبيد؛ فالحضارة السومرية؛ فالأكدية ثم البابلية فالأشورية فالهلينستية؟! ثم الساسانية ثم الإسلامية؟!.

وهل لأنّها منطقة أجواؤها ملائمة لشتـى أنواع العبادات والمعتقدات السائدة آنذاك؟

الباحث التاريخي «الطويل» يجزم توكيداً أن القدماء نظروا لهذه الجزيرة نظرة تقديس؛ لكن هناك سبب جعل كل تلك الحضارات تهتم بهذه الجزيرة بالذات دون الساحل المطل عليها، وهو أن جزيرة تاروت تتمتع بخاصية طبيعية لا يتميز بها بقية المناطق في الخليج العربي، والخاصية هي أنها محمية حماية طبيعية ضد الغزاة، مما جعل كبار القوم في الحضارات القديمة يلجؤون لجزيرة تاروت، فأثناء حالة المد البحري تكون بعيدة عن الشاطي ومحصنة عن الغزاة فلا يستطيعون الوصول لها إلا بالسفن، وفي حالة الجزر تكون مياه البحر بين جزيرة تاروت والقطيف ضحلة، ويمكن الوصول لها بركوب الحمير، ولها طرق خاصة للوصول لها في هذه الحالة، ولذلك تتطلب دليل وإلا سيغرق العابرون في الأخوار حولها من هنا أصبحت آمنة، حتى الغزاة لو جاؤوا دون دليل في فترة الجزر فإنهم سيغرقون حتماً.

ميزة الجزيرة

ويشير إلى أن هذه الميزة الفريدة غير موجودة في أي جزيرة أخرى، وقد أشير إلى ذلك في ملحمة جلجامش؛ حيث زارها الملك السومري الخامس لمدينة أوروك قادماً إليها بالسفينة ورجع لبلاده عن طريق البر أي وصل إليها في المد وخرج منها في الجزر، وزيارة جلجامش كانت قبل 4600 عام، وكان معه أورشنابي أحد ملاحي سفينة زيوسيدرا – النبي نوح عليه السلام-.

جهاز التبريد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى