
أيام قليلة تَفصِلتا ويُعلَن الحِداد ونلبس السواد في عاشوراء المَجد والشهادة والعِز والكَرامة لِنُحيي ذِكرى إستِشهاد سيد الشُهداء الإمام أبي عبدالله الحُسين وثِلَة مُجَاهِدة من أهله وأصحابه سلام اللٰه عليهم، تلك المَلحَمة الحُسينِية الكُبرى التي غَيرت مَجرى التاريخ وضَربت أروع الأمثلة في مُحارَبة الظُلم والظَلمة والبُغاة والطُغاة بِالوقوف في وجه الإضطهاد و الطُغيان والمُفسدِين وإعادة روح وجوهر الإسلام الأصيل إلى مَجَاريه ومنابِعه وإشراقتِه الوَضَاءة الفَياضَة التي بَنَت قَواعِد مَتِينَة في العَدل والفَضيلة والرحمَة والمُسَاواة والمُؤاخَاة بين جميع شَرائِحه وأطيافه، حيثُ لافَضل لِعَربي على أعجمي ولا أسود على أبيض إلا بِالتَقوى.
هكذا هي حَركة الحُسين الإصلاحِية الهَادِفة التي قَدَّمت دُروساً في التَضحِية والفِداء والبُطُولة والشَهادَة، كانت وسَتَظِل رمزاً أبدياً خَالِداً ومَثلاً بَارِزاً يَحتَدي به كُل أولئك المُصلِحين والخَيرين من بني البَشر السَاعِين إلى الإصلاح والعَدَالة الإنسانية والسُلوك الأخلاقي المُمَيز.
مِن هُنا أناشد وأتمنى على خُطباء المِنبر الحُسيني أن يكونوا على قَدرٍ عَالٍ من المَسؤلِية في إبراز هذه المَلحَمة الحُسينية الجبارة في قَالبٍ مِثالِي وشفاف بَعيد عَن كُل ما يُعَكِر صَفوْ هذه الحَرَكَة النِضَالِية وأن يكونوا إعلاماً نَيراً يَنقِل الواقِع على حَقِيقَتِه بِدون رُتُوش وتَجنُب المُبالَغَات العَاطِفِية والسَردِية التي لاتَخدِم المِنبَر الحُسيني بل تَضُرُه أكثر مِن أن تَنفَعُه، كما عَليهُم التَحرِي والدِقة في نَقل أي معلومة عِلمِية كانت أو فِكرِية أو عَقَائِدِية لأن هُناك مِن المُتصَيدِين وضِعاف النُفوس من يَسعَى إلى تشويه هذه المُناسبة العَظِيمَة وهو ينتَظِر بِفارِغ الصَبر للإصطِياد في المِياه العَكِرة خَاصَةً ونَحنُ نعيش في عالم التَقنيات الحَديثة مِن وسائل التَواصُل الإجتماعي، فالمَعلومَة الآن تَصِل إلى مُريدَيهَا في طَرفة عين.
فالحَذار الحَذار أيها الخُطباء الأفاضل، فعالَم اليوم ليس كَعالَم الأمس وأنتم لستم مُضطَرين في خَوض أمور لا شأن لها بِالسِيرة الحُسَينية لا في مُحتواهَا أو فَحواهَا، ولا يَخفَى عَليكُم وأنتم العَالِمُون بِذلك أن هذهِ مَسؤلِية مُلقاةً على عاتِقُكُم في عدم إنقلاب الصُورة إلى ما لا يُحمَد عُقباه وأن المِنبَر الحُسَيني والصُعُود عليه شَرف لا ينالُه إلا من هو أهلٌ له وأنتم إن شاء اللٰه جَدِيرُون بِذلِك في سِعَة صَدرِكُم وتَحَمُلُكم وصَبرُكُم ونَشُد على أيادِيكم في بَذل المَزِيد والمُفِيد لِهذه الفَاجِعة الأليمة والمأساة المُريعَة ونَتائِجها وإنعِكاسَاتِها الإيجابية والقَيمَة التي تَزرَع وتُعلِم الصَبر والإيمان والشَهادة وتُبين عَظَمَة المَبادِئ الرَبانِية وعُمق الرِسَالَة النَبوية والأُمَنَاء عليها مِن العِترة المُحَمَدِية سَلام مِن اللٰه عَليهُم.