
بعض الأصدقاء مثل أكـل المستشفيات صحي وخفيف ومفيد بس امصقع وباصچ لا طعم له ولا رائحة ويضيق الخلق، والبعض الآخر من الأصدقاء مثل الفاست فوود (الوجبات السريعة) دهون ضارة وسعرات حرارية مرتفعة بعضها مقرمش وبعضها مدلوق عليه صاص مختلف الوانه ايخلي بوزك ايراري حتى قبل أن تنهشه، ومسمود بشتى أنواع التوابل الباردة والحارقة تشم رائحتها حتى وان كانت في قلعة وادرين(*) وفوق كل ذلك لذيذة وتونس أيضا.
في معترك الحياة وبمواقفها المختلفة والمثيرة للاهتمام أحيانا، يمكن أن تجعل وجود أصدقاء “اخويا” معنا في تلك المواقف من أفضل الفترات وأجملها، ومع ذلك فإن وجود أصدقاء زائفين (رُانْگوْلْ) يمكن أن تحول تلك المواقف الجميلة الى شقاء و جحيم. فالصديق المزيف كالعملة المزيفة لا تكتشفه إلا عند التعامل معه.
فكلمة صديق لا تطلق عل كل عابر يمر في حياتنا، لأنهم يتغيرون لتغير مجرى الحياة وفقا للأوضاع النفسية والاقتصادية والمعيشية والصحية والمزاجية لكل فرد، ومن جملتهم أصدقاء الطفولة والدراسة والعمل وغيرهم…. وعلى طاري زملاء الدراسة، لما كنا في المرحلة المتوسطة وهي مرحلة حساسة جدا وخطيرة، معها تبدأ عند الفتى بوادر “خالف تعرف” كنا نحن شلة فصل ثاني-ج بالمدرسة النموذجية المتوسطة نصر على تناول وجبة الفسحة من خارج مقصف المدرسة، ولان سور المدرسة عبارة عن سياج (شبك) بارتفاع مترين ونصف تقريبا لا يصعب على مراهقين بطبعهم “لمناقز” برشاقة كالعصافير من التشلبي عليه والنط الى الشارع، “نتلايم” عند السياج ونقوم بمساعدة احدنا بالقفز من على الشبك ويذهب للفران الوحيد بسيهات بجوار صيدلية المرحوم/تركي المتروك “الصيدلي” (الصالة الذهبية لكمال الأجسام حاليا) ويشتري لنا بريال واحد خمسة أرغفة (افرنجي) ساخنة تتلهوب اتلهوب مع قوطي جبن ونقضي عليها في دقيقة ونصف، ونزك فوقها غرشة بيبسي والتي كانت في وقتها ما حد يعرف أنها من الأطعمة الغير مفيدة بل ضارة للناشئة لذلك كان مسموح ببيعها في المقاصف المدرسية.
يمعة فطور خبز الفرن من عند اليماني، قوت من العلاقة فيما بين جماعة المشاغبين فتمادوا وبجراءة كالغربان وليس كالعصافير، فعملوا لهم دورية كل أسبوع وجبة الفسحة تكون في أحد المنازل وكل واحد عليه الدور يقعد ايبازي قدام أُمه بفطور صديقه على شان لا تتردد في طبخ ما يريد لأصدقائه الميامين من لقيمات، بلاليط، عصيد، رشوف، خبز ارقاق ممسوح بالبيض والسكر”امحلا” إضافة الى دلة شاي وغوري حليب.
بعد التعود على الأكلات “الشللية” بداية من المقصف المدرسي حتى ازدرائه وتجاوز المسموح الى غير المتاح، والتدلل على الأهل بعدم الإحراج أمام الأصدقاء وتنفيذ كل ما يفرحهم وصولا الى تجربة ما كنا نسمعه من أن هناك طعام جديد من صنع الإفرنج نزل بأحد البوفيهات الحديثة بمدينة الدمام بجوار محمصة الفار الى الغرب من سوق الكويت (الي ما يدل يسأل جوجل)، يباع فيه ما يسمى “بالهمبرجر” وكان لزاما علينا التوفير من مصروفنا اليومي لعدة أسابيع لتغطية أجرة التاكسي وقيمة همبرجراية واحدة ندعبسها بما يسمى بالكاتشب قبل تناولها، نعود بعدها في اليوم التالي واصفين وشارحين لزملائنا في الفصل عن شكلها و خصوصيتها و طعمها اللذيذ والمميز وخصوصا اذا كان مضافا لها الجبن فيتغير اسمها الى شيزبرجر.
وقتها كنا نعتقد أن تلك الوجبات من أرقى الطعام ولا يتناولها إلا المترفين من أبناء الطبقة المخملية، فعندما كبرنا ونضجنا اكتشفنا أن تلك البوفيهات في الغرب عبارة عن مطاعم شعبية “طياري” يرتادها العمال والفقراء، وأن ذلك النوع من الطعام السريع التحظير كان من أسواء الأطعمة وقد ابتكر خصيصا للفقراء والمعدمين لإيهامهم انهم يأكلون اللحم وما هو بلحم.
أولئك الأصدقاء في العمل وزملاء الدراسة والسفر، والرحلات والكشتات، وجلسات السمر والنقاشات والمطارحات المتنوعة منها المفيدة والمنتجه وغيرها، وغبقات انصاف الليالي ولهط المظبي والمندي، والصافي والميد المشوي، الأصدقاء الذين انبهرت بصحبتهم طوال تلك السنين، وانا الآن في عقدي السادس اكتشفت إن كثير منهم لا يختلفون عن “الفاست فوود” الأكل السريع والشغل الإفرنجي، فكل ما تكبر يصبح انبهارك بهم يقل اكثر واكثر، فعندما تعرف الناس على حقيقتها سوف تعرف تقيّم وتقدر وتصفي وتلغي من حياتك كل اللي ما يستاهل أن يضل فيها، فهم يتساقطون عاما بعد عام بعضهم يسقط من القلب وبعضهم من الذاكرة والبعض يسقط من العين خصوصا أولئك الذين يعتقدون أن خشومهم علت وشمخت، وجيوبهم انتفخت وبعضهم حتى كروشهم كبرت و تمددت، حينها ندرك أن السعادة ليست في أعدادهم بل في قيمتهم وتصبح دائرة الأصحاب والزملاء الفاست فوود تقل من حياتك وسوف تعود لأصدقائك الحقيقين الغير مزيفين وفي طريق عودتك حتما سوف تعود الى الخباز و القرص العربي والصمونة والكماية، الأطيب من الهمبرجر والكاتشب الي أنت وانا كنا منبهرين بهم، سوف تشعر أن انتيفة خبز اتغمسها في استكانة شاي ساخنة كانوا دفىء وعزوة وثوب على مقاسك ولايق عليك، واحبيبة لقمة عيش امسيح ابربيان مدلوق عليها ااالبينة رااايبة مع سحة او افريدة تمر شقراء تمدك بالطاقة والحيوية والنشاط وترتشف فوقها افنييل قهوة سمراء تفوح برائحة القناد تتذوق من خلالها طعم المحبة والأصل الطيب، وان كل ماكنت منبهر به من صداقة منتهية الصلاحية عبارة عن زخارف وديكورات من الخواء الذي يلمع ويبرق لكنها مطلية بالرُانْگوْلْ وليس بالذهب.
_______________________________
(*)قلعة وادرين هي احدى قلاع الدولة العثمانية التي تنفي بها المعارضين لحكمهم، واختلف المؤرخون في تحديد مكانها منهم من قال أنها في تبوك ومنهم من اكد أنها خارج المنطقة العربية.