
هناك مقولة منسوبة للعالم ألبرت أينشتاين جاء فيها: “إذا اختفى النحل عن وجه الأرض، فلن يتبقى أمام الإنسان سوى أربع سنوات”.
ويلعب النحل الذي يحتفي العالم في 20 مايو من كل عام بيومه العالمي دوراً أساسياً في ضمان سلامة النظم الإيكولوجية والأمن الغذائي، فهي تساعد في الحفاظ على التنوع البيولوجي، فضلاً عن دور العسل في علاج كثير من الأمراض، غير أن الإنتاج الزراعي الأحادي المحاصيل المكثف وسوء استخدام مبيدات الآفات يسببان تهديدات خطيرة على الملقحات، من خلال الحدّ من وصولها إلى الأغذية ومواقع وضع الأوكار، وتعريضها للمواد الكيميائية الضارة، وإضعاف نظامها المناعي.
ويهدف الاحتفال باليوم العالمي للنحل في الـ 20 من مايو من كل عام، لتسليط الضوء على أهمية حماية النحل وسائر الملقحات، والمساهمة في الوقت نفسه في دعم قدرة النظم الزراعية والغذائية على الصمود واستدامتها وكفاءتها، ومواجهة التهديدات التي تعتري تنميتها؛ إذ يتعرض النحل والملقحات الأخرى، مثل الفراشات والخفافيش وطيور الطنان، إلى تهديد متزايد بسبب أنشطة البشر، فالملقحات تساعد المحاصيل الغذائية على التكاثر، وتمثل عنصراً أساسياً في الحفاظ على التنوع الحيوي الذي هو ركيزة أخرى من ركائز أهداف التنمية المستدامة.
وليس أينشتاين وحده من يحذر من عواقب التناقص المخيف في أعداد النحل، التي بلغت نحو 89% بين 2007 – 2016، فهناك مخاوف يثيرها المتخصصون بشأن تزايد معدلات انقراض الأنواع الموجودة على كوكب الأرض من 100 إلى 1000 مرة عن المعدل الطبيعي بسبب الآثار البشرية السلبية، حيث يواجه زهاء 35% من الملقحات اللافقارية، خاصة النحل والفراشات، وزهاء 17% من الملقحات الفقارية، مثل الخفافيش، تهديد الانقراض على مستوى العالم.
ويعرف من النحل ما يقارب 20.000 نوع، وحوالي 9 عائلات، وتنتشر في جميع قارات العالم عدا القطب الجنوبي، ويتغذى النحل على الرحيق وحبوب الطلع التي يجمعها من الأزهار، ويعيش في مجتمعات تعاونية ضخمة تتكون من أفراد يزيد عددها في الخلية الواحدة على 35 ألفا من العاملات وبضع مئات من الذكور، تترأسهم ملكة واحدة في طائفة أو خلية واحدة، وذلك النوع من النحل ينتج أجيالاً متعددة سنوياً، وهذا يعني أن النحل الذي ينتج أجيالا متعددة كل عام يحتاج موارد غذائية من حبوب اللقاح والرحيق في معظم موسم النمو.
والتلقيح عملية أساسية لبقاء أنظمتنا البيئية؛ إذ تعتمد 90% من أنواع النباتات المزهرة البرية في العالم اعتماداً كلياً أو جزئياً على تلقيح حيواني، فضلاً عن اعتماد أكثر من 75% من المحاصيل الغذائية، و35% من الأراضي الزراعية العالمية عليه، وبالتالي فالملقحات تساهم بشكل مباشر في الأمن الغذائي، فضلاً عن أنها هي مفتاح الحفاظ على التنوع البيولوجي كذلك.
وتشير التقديرات إلى أن نصف الملقحات من النباتات الاستوائية هي من النحل، وأن كفاءته ترجع إلى أعداده الكبيرة، واللياقة البدنية، والسلوك، فأداؤه وتنقلاته تتكفل بنحو 80 % من عمليات التلقيح في جميع أنحاء العالم، حيث يمكن لمستعمرة النحل الواحدة تلقيح 300 مليون من الزهور كل يوم، بالإضافة إلى أن 70 من أفضل 100 من المحاصيل التي تدخل في غذاء الإنسان.
وليس العسل هو الفائدة الوحيدة من النحل، بل هو مسؤول عن تلقيح نسبة كبيرة من الأنواع النباتية على الأرض، والتي تقدر بحوالي سدس أنواع النباتات المزهرة في العالم، كما أنه مسؤول عن تلقيح حوالي 400 نوع زراعي من النباتات، ويعتمد نمو خضار وفواكه على تلقيحه، مثل: البروكلي، والشمام، والخيار، والقرع، والتوت، والبطيخ، واللوز، والتفاح، والتوت البري، والكرز، علاوة على ذلك، يستفيد الكثير من الحيوانات والطيور من أكلها، كما يصنع الإنسان العديد من الأدوية من النباتات التي يلقحها النحل.
ويساعد النحل في تشكيل أزهار النباتات وتجميل المساحات الشاسعة، التي تعطي منظراً طبيعياً رائعاً يجذب الحيوانات والإنسان، وعلى الناحية التجارية، يتوقع أن يمثل مبلغ 15.2 مليار دولار قيمة المحاصيل في عام 2009، التي كانت تعتمد فقط على التلقيح بواسطة الحشرات، حيث يمثل النحل غالبية هذه القيمة، ويعتقد أن النحل يساهم بما يصل إلى 40 مليار دولار أمريكي سنوياً وفقاً لإحدى الدراسات، كما تبلغ قيمة إنتاج المحاصيل التي تعتمد على الملقحات في الولايات المتحدة أكثر من 50 مليار دولار سنوياً.
ونظرا للإمكانيات المدهشة للنحل والملقحات، تتعالى الأصوات البحثية والطبية بضرورة وقف أي ممارسات تستنزف هذه الثروة العالمية، بداية من ممارسات الزراعة المكثفة، وتغيير استخدام الأراضي، وزراعة المحاصيل الأحادية، واستخدام المبيدات الحشرية، وارتفاع درجات الحرارة المرتبطة بتغير المناخ، وكلها تشكل تحديات لمستعمرات النحل، مما يؤثر بالتالي على جودة الأغذية التي نزرعها، فيمكن أن نرى استبدال محاصيل أساسية مثل الأرز والذرة والبطاطس بالمحاصيل المغذية من مثل الفواكه والمكسرات والعديد من محاصيل الخضراوات، ما يؤدي في النهاية إلى تشكل نظام غذائي مختل.
ولمواجهة ذلك، تم تأسيس المبادرة الدولية لحفظ الملقحات في الاجتماع الخامس لمؤتمر منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة “فاو”، عام 2000 بهدف رصد تدهور الملقحات وأسبابه وأثره على خدمات التلقيح ومعالجة نقص المعلومات المتعلقة بتصنيف الملقحات، وتقدير القيمة الاقتصادية للتلقيح والتأثير الاقتصادي لتدهور خدمات التلقيح، وتعزيز صون واستعادة التنوع في الملقحات، واستخدامه استخداماً مستداماً في مجال الزراعة وفي النظم الإيكولوجية المتصلة بها، وإلى جانب ذلك، تقدم منظمة الأغذية والزراعة كذلك المساعدة الفنية للبلدان في مجالات عدة مثل: تربية الملكة، والتلقيح الصناعي.
وفي القطيف حقق مشروع إنتاج العسل الطبيعي الذي أسسه مكتب وزارة البيئة والمياه والزراعة بمحافظة القطيف نجاحاً واضحاً، من خلال وجود عوائد اقتصادية مكنت النحالين من ممارسة الإنتاج بشكل سلس وبأقل التكاليف المادية، ويهدف المشروع إلى جعل العسل الطبيعي المحلي متوفراً وبجودة وسعر مناسبين.
ويعتمد النحل الذي يعيش في الخلايا على ثلاثة مناحل تقع في غابة المانجروف في جزيرة تاروت، والمشروع الذي تجولت فيه “الرياض” مؤخراً يعد الأول من نوعه في المنطقة الشرقية، كما أنه يتميز بإنتاج عسل وفير، ورفع عدد النحالين العاملين في إنتاج العسل المحلي إلى نحو 800 نحال خلال عام واحد، وذلك عبر منح التراخيص والتسهيلات الخاصة.
وحقق العسل المحلي المعروف بـ”عسل المانجروف” التقدم على المنتجات الأخرى، وبخاصة العسل المستورد.